البداية الدقيقة لاستخدام الأعشاب والنباتات للأغراض الدوائية فإن البقايا الأثرية من الحضارات الأولى قد أظهرت بأن النباتات كانت تستخدم في مراسم الدفن وغير ذلك من الطقوس. ويأتي أول سجل مكتوب عن استخدام المداواة بالأعشاب من الصين وحضارة بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا) إذ يرجع إلى حوالي 2800 عام قبل الميلاد.
ومنذ بداية الحياة البشرية اعتمد الناس في الأساس على النباتات للتغذية. واكتشفوا لأنفسهم من خلال التجربة والخطأ أن بعض النباتات طعام طيب وأن البعض الآخر سام وأن هناك نباتات تحدث تغيرات في الجسم مثل غزارة العرق أو اللين في حركة الأمعاء أو إدرار البول أو تخفيف الألم أو الهلوسة أو الإبراء من العلل وانتقلت تلك الملاحظات عبر آلاف السنين شفهيا من جيل إلى جيل وكل جيل يعقب يضيف إلى المعرفة الموروثة وينقيها ويصقلها. وطورت كل حضارة في العالم على هذا النحو رصيدها من المعرفة بالأعشاب كجزء من تقاليدها المتوارثة. ولقد تطورت تلك المعرفة عبر نحو خمسة آلاف عام و حتى يومنا هذا.
و في ضوء القلق المتزايد حول فاعلية العقاقير المخلقة وآثارها الجانبية فإن الأعشاب الطبية أصبحت توفر مرة أخرى البديل الطبيعي الآمن في علاج الكثير من العلل السائدة.
أينما عاش البشر على وجه الأرض فإنهم بنوا وطوروا معرفتهم بالأعشاب. وقد اكتشفنا من سكان أفريقيا الأصليين نبات البيجيوم بروناس أفريكانا الذي أثبت فائدته للبروستاتا. كما اكتشف العالم من الأستراليين الأصليين (الأروميين - الأبروجيين) زيت شجرة الشاي (من أوراق شجرة الميلالوكا) الذي استخدمه الجنود البريطانيون إبان الحرب العالمية الثانية كمطهر للجروح. واكتشف العالم كذلك من السكان الأصليين لجنوب المحيط الهادي نبات النوني موريندا سيتريفوليا الذي أثبت أن له فوائد صحية كثيرة من بينها حفز وتنشيط نظام المناعة في الجسم : وكذلك نبات كافا كافا "بايبر ميثيستيكوم" الذي يساعد على الارتخاء دون أن يتسبب في الخمول وتبلد الإحساس
بحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبح على الأقل 80% من جميع الأدوية المعروفة مشتقا من نباتات وأصبح علم الأعشاب هو الصيدلة العملية ثم جاءت ثورة الصناعات الصيدلية. ونجد اليوم وسط عصر "كيمياء العقاقير" أن نسبة الثلث فقط من العقاقير المستخدمة مستخلصة من النباتات. ولكن طب الأعشاب (أو علم الأعشاب) يقاوم الآن بشدة وقد أحرز نجاحا ملحوظا في جهود إحيائه.
تمتد جذور الطب الصيني التاريخية لنحو خمسة آلاف عام وهو يعتمد لدرجة كبيرة على العلاج بالأعشاب ولقد وضع الإمبراطور الصيني "شيان نونج" كتابا عن النباتات الطبية أسماه "بن تساو". وضم هذا الكتاب ما يزيد على 300 عشب من بينها "ما هوانج" أو الإفيدرا الصيني والذي لم يزل يستخدم على نطاق واسع – وهو العشب الذي استخلص منه علماء الغرب مستحضر عقار الإفيدرين .
اعتمد الإغريق والرومان في الكثير من معرفتهم بالأعشاب على الحضارات الأقدم. ولقد تأثرت بلاد الإغريق القديمة كثيرا بحضارتي بابل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر وإلى حد ما بحضارتي الهند والصين. وكان الطبيب المعروف بأبي الطب الحديث وهو اليوناني الشهير أبوقراط 460 – 377 ق.م نفسه عشابا يداوي بالأعشاب . وينسب إليه الفضل في أنه صاحب المقولة الحكيمة : ليكن طعامك دواءك وليكن دواؤك طعامك.
كان الإغريقي ديوسيدوس 40 – 90م أول عالم طب أعشاب حقيقي. وعلى الرغم من أنه كان إغريقيا فإنه خدم كطبيب بجيش الرومان. وقد نشر في عام 78م. كتابه "دي ماتيريا مديكا" – "في الأدوية" فكان أول دليل حقيقي ينشر في أوربا عن الأعشاب الدوائية. وناقش هذا العمل 600 نبات وبقي مرجعا طبيا إرشاديا قياسيا لما يزيد على 1500 عام حيث استند إليه تقريبا كل مرجع نشر في طب الأعشاب خلال القرن السابع عشر ميلادي.
وانشغل الروماني بلايني الأكبر 23-79م أيضا بجمع وتصنيف وتوليف المعرفة العلمية القديمة في 37 مجلدا تحت عنوان هيستوريا ناتوراليس – التاريخ الطبيعي وغطت المجلدات 20 إلى 27 الأعشاب تحديدا. وأرشدت وصفات بلايني في العلاج بالأعشاب الأطباء لقرون.
وأصبح جالي جالينوس بعد بلايني بنحو خمسين عاما رائد الطب في روما وفي النهاية الطبيب الخاص للإمبراطور ماركوس أوريليوس. وفي الوقت الذي كانت فيه الدايات القابلات أو المولدات المعالجات بالأعشاب يستخدمن أعشابا منفردة – أو وصفات بمكونات قليلة فإن جالينوس أصر على استخدام وصفات ممركبة من أعشاب وأجزاء لحيوانات ومعادن تسمى جالينات . ومضت قرون فضل بعدها نبلاء أوربا الجالينات المكلفة وبقي القرويون مرتبطين بالأعشاب المفردة أو الوصفات البسيطة التي سميت حينئذ البسيطات .
وبينما يقوم الأطباء الذكور على رعاية الأثرياء والعائلات المالكة وتأليف كتب الطب الكلاسيكية منذ الأزمنة القديمة وحتى الوقت الحاضر فإن ممارسي الطب الشعبي في العلاج بالأعشاب وغالبيتهم من النساء بقوا على رعاية الفئات الأخرى. وعرفت المعالجات بالأعشاب تحت مسميات عديدة منها القابلات الحكيمات النساء الخضر الساحرات العرافات الزوجات العجائز والممرضات. ورفض أمثال جالينوس أولئك النسوة ورموهن بالدجل ووصفوهن بالمشعوذات . ولا نزال نسمع إلى اليوم أصداء ذلك الإجحاف والتحامل والتحيز عندما ينبذ الأطباء والباحثون حكمة الطب الشعبي بوصفه "حواديت زوجات عجائز". وتجنب قدماء الأطباء المعالجات بالأعشاب بينما اعترفوا في نفس الوقت بتفوق النساء في الولادة وأمراض النساء. وعرفت أعشاب كثيرة لدى أولئك المعالجات بأنها تهدئ الرحم وتحفز الحيض وتساعد على الإجهاض وتزيد – أو توقف – لبن الأم وتعالج أمغاص الرضع والإسهال المنتقل بالعدوى.
وبانهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن السابع الميلادي نهضت الحضارة العربية لتملأ الفراغ الفكري. وتحول التعلم صوب الشرق بينما تركزت دراسة الطب الجاليني الجالينوسي في كونستاتينوبل القسطنطينية وفارس. وتبنى العرب نظريات جالينوس بحماس وامتزج بالمعتقدات الشعبية والمعرفة المصرية الباقية. فكان ذلك المزيج من أفكار طب الأعشاب والممارسة والتقاليد هو الذي أعيد استيراده في أوربا مع الجيوش العربية الغازية.
وكتب ابن سينا 980 – 1037م الطبيب العربي الرائد بوصفه واحدا من أتباع جالينوس كتاب القانون في الطب والذي ظل دستور الطب في أوربا لستة قرون. وتناول الجزء الثاني من الكتاب الأعشاب ومن بينها جوزة الطيب وخشب الصندل والراوند والمر والقرفة والقرنفل وماء الورد.
ولقد بسط العرب أدوية جالينوس وطوروا علم الصيدلة كمجال منفصل عن الطب وكانوا أيضا أول من استخدموا الكحول دوائيا باختراعهم الصبغات العشبية التي تسمى الآن مستخلصات الكحول.
ظهرت جذور الطب الهندي أول ما ظهرت في كتابات مقدسة تعرف باسم الفيداس التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وقد كان النظام الطبي الهندي يدعى الأيورفيدا وكانت قائمة (لائحة) الأعشاب الماتيريا ميديكا واسعة شاملة بدرجة كبيرة وكان أحد الكتاب الهنود حوالي عام 800 قبل الميلاد على علم بنحو خمسمائة نبات طبي بينما كان آخر على علم بنحو 760 نباتا طبيا وجميعها نباتات تنمو في الهند و لا تزال "الأيورفيدا" الهندية تمارس إلى اليوم كما لا تزال كثير من العلاجات والوصفات والتركيبات التقليدية الأصلية الهندية متاحة خارج حدود الهند أيضا
يرجع تاريخ أول سجل مكتوب عن استخدام الأعشاب كأدوية إلى نحو خمسة آلاف عام مضت وينسب إلى السومريين في بلاد ما بين النهرين ولقد عثر من خلال الحفائر الأثرية على وصفات طبية سومرية سجلت على ألواح من الطين بوصفات تضم من الأعشاب الزعتر والكراوية. وطورت في نفس الوقت وربما قبل ذلك تقاليد عشبية في الصين والهند
ويظهر في بردية مصرية يرجع تاريخها إلى ما يقرب من 1700 عام قبل الميلاد سجل يسمي الكثير من الأعشاب شائعة الاستخدام مثل الثوم والعرعر وقد تواصل استخدامهما طبيا لنحو أربعة آلاف عام حتى الآن. واستخدم القنب في عصر رمسيس الثالث لمتاعب العين مثلما يمكن أن يوصف اليوم في علاج الجلوكوما (المياه الزرقاء) بينما استخدمت مستخلصات الخشخاش في تهدئة الأطفال وقد ثبت الآن أنه علاج سيء.
لقيت النباتات الطبية خلال العصور الوسطى في أوربا مزيدا من الاهتمام لدى الرهبان الذين عكفوا على زراعة النباتات الطبية ودراستها كما قاموا بترجمة المؤلفات العربية في طب الأعشاب. وعندما قدم الأوربيون أول ما قدموا إلى أمريكا وجدوا أن لدى أهل البلاد الأصليين معرفة شاملة بالأعشاب التي نمت في أرض قارتهم. وتأسس العلاج بالأعشاب لدى هؤلاء مثلما كان الحال مع الحضارات المبكرة الأخرى على الاعتقاد في وجود عالم روحي غير مرئي. وعرفت هذه المعرفة التقليدية باسم "الشامانية" نسبة إلى شامان وهو الكاهن الذي يعتقد في نفوذه وتأثيره الفذ الفريد على عالم الأرواح واستخدامه للسحر مع الأعشاب العلاجية لإبراء المرضى. وكان المستوطنون الأوربيون يكنون احتراما شديدا لحكمة الهنود الأمريكان ومعرفتهم بالأعشاب فاعتمدوا كثيرا على تلك المعرفة. وكانت للأمريكيين (الأصليين) في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية أيضا معرفة واسعة بالأعشاب الطبيعية المتوطنة بمناطق بلادهم . منقول